البسملة
" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
"
1- معنى البسملة : أبدأ
بتسمية الله وذكره وتسبيحه قبل كل شيء ، مستعيناً به فى جميع أموري ، فإنه الرب
المعبود بحق ، الذى وسعت رحمته كل شيء .
2- هناك خلاف فقهى
كبير بين السادة العلماء على البسملة هل هى آية من ســـورة الفاتحة ، وغيرها من السور،
أم لا ؟ نخلص منه على أنها آية من كل سورة كالفاتحة ما عدا سورة براءة ، والدليل
على ذلك أن الصحابة كتبوها أوائل كل ســورة ، والصحابة كانوا لا يكتبون فى المصاحف
ما ليس من القرآن ، ورأى الحنفية هنا ربما يكون أصح أن البسمله قرآن لكنها ليست
بعض السور وإنما هى للفصل بين السور .
3-
أخرج الإمام أحمد والنسائى وابن مردويه " عثر النبى r فقلت : ( القائل هو أسامة بن عمير رديف النبى r)
: تعس الشيطان فقال النبى r : " لا تقل تعس الشيطان ، فإنك إذا قلت تعس
الشيطان تعاظم وقال : بقوتى صرعته ، وإذا
قلت باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب ".
4-
البسملة تستحب فى أوائل كل عمل كما جاء فى الأثر"كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله
الرحمن الرحيم فهو أجذم"
تفسير سورة الفاتحة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ العَالَمِينَ (2) الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ
(7)
ـ التفسير:
أرشدنا الله تعالى
إلى أن نبدأ كل أعمالنا وأقوالنا بالبسملة فهى مطلوبة لذاتها ، محققة للإستعانة
باسمه العظيم ، وعلمنا سبحانه كيف نحمده على إحسانه ونعمه ، فهو صاحب الثناء بحق ،
فالحمد كله لله دون سواه ، لأنه مالك الملك ورب العوالم والموجودات كلها ، أوجدها
ورباها وعنى بها ، وهو صاحب الرحمة الشاملة الدائمة ، ومالك يوم الجزاء والحساب
ليقيم العدل المطلق بين العباد ، ويحقق للمحسن ثوابه ، وللمسيء عقابه ، فهذه
الصفات تقتضينا أن نخص الله بالعبادة وطلب المعونة ، والخضوع التام له فلا نستعين إلا
به ، ولا نتوكل إلا عليه ، ولا نعبد إلا إياه ، مخلصين له الدين؛ لأنه المستحق لكل
تعظيم ، والمستقل بإيجاد النفع ودفع الضر.
وقد تعصف الأهواء
بالنفوس ، وتزيغ بالعقول ، فلا عاصم من التردى فى الشهوات ومتاهات الانحراف إلا
الله ، لذا أرشدنا الحق سبحانه إلى طلب الهداية والتوفيق منه ، حتى نسير على منهج
الحق والعدل، ونلتزم طريق الاستقامة والنجاة ، وهو طريق الإسلام القديم المستمر
الذى أنعم الله به على النبيين والصديقين والصالحين، وهذا شأن العبد العابد الناسك
العاقل العارف حقيقة نفسه ومصيره فى المستقبل، لا شأن الكافر الجاحد الضال المنحرف
، الذى أعرض عن طريق الاستقامة عناداً ، أو ميلاً مع الأهواء ، أو جهلاً وضلالاً ،
وما أكثر الضالين عن طريق الهداية البعيدين عن منهج الاستقامة الذين استحقوا الغضب
والسخط الإلهى!
فاللهم أدم علينا
البقاء فى طريق الهداية، وتقبل ثناءنا ودعاءنا واحفظنا من الغواية والضلال .
ـ بعض ما يتعلق
بالآيات
1- أخرج البخارى
وغيره عن أبى سعيد بن المعلى t
قال : " كنت أصلى فدعانى رسول r فلم أجبه حتى صليت قال : فأتيته فقال r : " ما منعك أن تأتينى
؟ " قال ، قلت : يا رسول الله إنى كنت أصلى قال
: " ألم يقل الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ "
ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة فى القرآن قبل أن تخرج من المسجد " قال : فأخذ
بيدى فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة فى
القرآن قال : " نعم " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ " هى
السبع المثانى والقرآن العظيم الذى أوتيته ".
وفى حادثة مشابهة مع أبى
بن كعب يقول أبى بن كعب: " فلما
دنونا من الباب قلت : أى رسول الله ما السورة التى وعدتنى ؟ قال : ما تقرأ فى
الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه أم القرآن قال : والذى نفسى بيده ما أنزل الله فى
التوراة ولا فى الإنجيل ولا فى الزبور ولا فى الفرقان مثلها إنها السبع المثانى "
. أخرجه الإمام أحمد .
2- أخرج الإمام مسلم
والنسائى وهذا لفظه عن ابن عباس قال : " بينما رسول الله r
وعنده جبريل ، إذ سمع نقيضاً فوقه ، فدفع جبريل بصره إلى السماء فقال : هذا باب قد
فتح من السماء ما فتح قط ، قال فنزل منه ملك فأتى النبى r فقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك ، فاتحة الكتاب
وخواتيم سورة البقرة ، لم تقرأ حرفاً منهما إلا أعطيته
3-
أخرج الإمام مسلم والنسائى وغيرهما ، وهذه رواية النسائى عن أبى هريرة عن النبى r
قال : "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج ( ثلاثا ً) ، غير تمام ، فقيل لأبى هريرة : إنا نكون خلف الإمام
فقال اقرأ بها فى نفسك فإنى سمعت رسول الله r يقول : قال الله عز وجل " قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين
ولعبدى ما سأل " فإذا قال : " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ "
قال الله : حمدنى عبدى ، وإذا قال : "
الرحمن الرحيم " قال الله : أثنى على عبدى، فإذا قال: " مَالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ " قال الله: مجدنى عبدى، فإذا قال: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ " قال الله: هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل فإذا قال: "
اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ" قال الله: هذا لعبدى ولعبدى ما سأل
" .
4-
تجمعت فى سورة الفاتحة مقاصد القرآن ومعانيه، فالقرآن الكريم دعوة إلى العقيدة أولاً، ثم
إلى العبادة، ثم إلى مناهج الحياة، وقد تسلسلت المعانى فى هذه السورة على هذا
الترتيب.
- فالعقيدة دلت عليها
بداية السورة: " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (2) الرَّحْمـَنِ
الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ".
- ثم العبادة فى قوله
تعالى: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ".
- وأخيراً مناهج
الحياة فى قوله تعالى: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ
(7)".
5-
من المعانى الكبرى فى الإسلام: موضوع لزوم الجماعة "أن تلزم جماعة المسلمين
وإمامهم"، و "من فارق الجماعه قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.."
والسورة دلتنا من خلال الخطاب الجماعى " إِيَّاكَ نَعْبُد"، " اهْدِنَا " على أن الأصل
فى المسلم أن يكون جزءاً من كل هو جماعة المسلمين وأن الأصل فى التربية الإسلامية
أن تقوم على التربية الجماعية.
6-
أفضل الدعاء " الْحَمْدُ لِلَّهِ"، لأنها رأس الشكر والله عز وجل يقول: "
لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ"، لذا ورد فى سنن ابن ماجه عن ابن عمر t:
أن رسول الله r حدثهم: "أن عبداً من عباد الله قال يا رب لك الحمد كما ينبغى
لجلال وجهك وعظيم سلطانك فلم يدريا الملكان كيف يكتبانها فصعدا إلى الله تعالى
فقالا: ياربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندرى كيف نكتبها قال الله: - وهو أعلم بما
قال عبده – ماذا قال عبدى؟ قالا: يارب إنه قال لك الحمد يا رب كما ينبغى لجلال
وجهك وعظيم سلطانك، فقال الله لهما : اكتباها كما قال عبدى حتى يلقانى فأجزيه
بها".
7-
فى الصحيحين عن أبى هريرة عن رسول الله r قال: "يقبض الله الأرض بيمينه "ثم
يقول: "أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟" فالله
عز وجل مالك يوم الدين وهو رب العالمين وكل منازعة لله عز وجل فى ربوبيته أو
مالكيته العليا لاتصح ولو فى التسمية، ففى الصحيحين عن أبى هريرة عن رسول الله r
قال: "أبغض إسم عند الله رجل يسمى بملك الأملاك، ولا مالك إلا الله".
8-
أكمل أحوال الداعى أن يبدأ بالحمد ثم يسأل حاجتة وحاجة إخوانه المؤمنين ومن ثم جاء
قوله تعالى: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ " بعد الثناء، فالسؤال
أو الدعاء بعد الثناء أنجح للحاجة وأنجح للإجابة.