الثلاثاء، 31 مارس 2020

9 / التحدى الالهى للجاحدين واعجازهم


التحدى الالهى للجاحدين واعجازهم
وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)
ـ التفسير:
إن كنتم أيها العرب وغيركم من الجاحدين فى شك من صدق القرآن، الذى أنزله الله على عبده ورسوله النبى الأمى محمد بن عبد الله، وزعمتم أنه من كلام البشر، فأتوا بسورة من مثله واستعينوا بمن شئتم من الرؤساء والأشراف والآلهة المزعومة لتأتوا بمثله، لكن اعلموا أنه لا يقدر أن يأتى بمثله إلا الله، وحيث عجزتم ولم تقدروا على الإتيان بسورة تماثل القرآن فى البيان الغريب والبلاغة، المتفوقه، وعلو حسن النظم، وسلامة المنطق، وروعة التشريع والأحكام الصالحه لكل زمان ومكان، والإخبار بالمغيبات، ويظل العجز دائما فى المستقبل، فلن تقدروا على الإتيان بمثله، مع أنه كلام عربى من جنس كلام العرب فى الشعر والخطابة والنثر والأسلوب، وفى العرب البلغاء والفصحاء والشعراء والخطباء وأعلام البيان والقول.
وحيث ظهر العجز فعلاً، فارجعوا إلى الحق، والإيمان بالقرآن، والتصديق برسالة النبى محمد r، ففى ذلك وحده النجاة من عذاب الله فى النار التى وقودها الناس (الكفار) والحجارة (الاصنام).
ـ بعض ما يتعلق بالايات:
1- قوله تعالى " فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا "، لن: تفيد النفى المؤبد فى المستقبل أي: ولن تفعلوا ذلك أبدا وهذه معجزة عظيمه فالله سبحانه وتعالى أخبر خبراً جازماً قاطعاً أن هذا القرآن لا يستطيع أحد أن يأتى بمثله سواء فى عصركم أنتم أيها الفصحاء البلغاء، أو فى أى عصر آخر من العصور وهذا التحدى قائما إلى قيام الساعة، وهذه قمة الإعجاز.
2- فى الصحيحين عن أبى هريرة t أن      رسول الله r قال: " ما من نبى من الأنبياء إلا قد أعطى من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذى أوتيته وحياً أوحاه الله إلى فأرجوا ان أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ".
وذلك لأن معجزات الرسل خارجة عن ماهية الوحى أما فى رسالة رسولنا r فالقرآن نفسه معجزه بل معجزات.
3- قال ابن مسعود فى تفسير قوله تعالى (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) ": (هى حجارة من كبريت خلقها الله يوم خلق السموات والأرض فى السماء الدنيا يعدها للكافرين) رواه ابن جرير.
4ـ أخرج الإمام مسلم عن ابن مسعود قال: سمعنا وجبة فقلنا ما هذه؟ فقال رسول الله r: "هذا حجراً ألقى به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى مقرها " .
وهذا دليل على أن النار موجودة الآن، وأن الصحابة كان يكشف عن أسماعهم فيسمعون شيئاً من أمر الغيب.

8 / الامر بعبادة الله وحده

الامر بعبادة الله وحده
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (22)
ـ التفسير:
يأمر الله تعالى جميع الناس من مشركى مكة وغيرهم بعبادته وحده كما أمرهم على لسان الأنبياء السابقين فى قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) {النحل 16/36} أى الاوثان. وأصل العباده: الخضوع والتذلل، ويراد بها هنا توحيد الله والتزام شرائع دينه، ونبذ عبادة الأصنام. والسبب أن هذا الرب العظيم يستحق إفراده بالعبادة، لأنه خالق العباد جميعهم، ومدبر شؤنهم، وواهبهم ما يحتاجونه من طرق الهدايه ووسائل المعرفة.
وهو سبحانه وتعالى الذى جعل الأرض مهاداً وقراراً للإستقرار عليها والحياة والإقامة فيها بهدوء واطمئنان، وجعل السماء سقفاً مرفوعاً فوق الأرض كالقبة، تظل الناس بالخير والبركه، وأحكم بناءها مع ما فيها من أفلاك وأجرام، وأنزل منها ماء مباركاً ومطراً عذباً ينبت به الزرع والعشب، ويحيى الأرض بعد موتها، ويغسل به الجو الذى تلوث بالتراب وغيره من كل ما يؤذى ويضر ويعكر صفو الحياة وصفاء الهواء.
فمن اتصف بالخلق والإبداع والتكوين للإنسان، والإمداد له بالنعم والأرزاق، وبخلق السماء والأرض لخير البشر، جدير بالعبادة والتعظيم والخضوع له، فلا يليق اتخاذ الشركاء الضعفاء معه من الأصنام والبشر، الذين لا يخلقون شيئاً ولا يقدمون رزقاً، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً، ولا يدفعون عن ذواتهم ضراً، وتقدس الله تعالى عن اتخاذ الأنداد والشركاء والأولاد، إذ لا حاجه له بهم، فمن كانت له حقيقة القدرة، ودلت عليه دلائل الربوبية والوحدانية هو المستحق وحده للطاعة.
ـ بعض ما يتعلق بالآيات:
1- أخرج الإمام أحمد بإسناد قال عنه ابن كثير: إنه حسن، عن الحارث الأشعرى أن نبى الله r قال : " إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بهن، وأن يأمر بنى إسرائيل أن يعملوا بهن، وأنه كاد أن يبطىء بها، فقال عيسى عليه السلام: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بنى إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن، فقال: يا أخى، إنى أخشى إن سبقتنى أن أعذب أو يخسف بى. قال: فجمع يحيى زكريا بنى إسرائيل فى بيت المقدس حتى امتلأ المسجد، وقعدوا على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله أمرنى بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن: أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، فإن مثل ذلك كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدى غلته إلى غير سيده، فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك؟ وإن الله خلقكم ورزقكم، فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً. وأمركم بالصلاة فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت، فاذا صليتم فلا تلتفتوا. وأمركم بالصيام، فإن مثل ذلك مثل رجل معه صرة من مسك فى عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه وقال لهم: هل لكم أن أفتدى نفسى منكم فجعل يفتدى نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه، وأمركم بذكر الله كثيراً وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً فى أثره فأتى حصناً حصيناً فتحصن به وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان فى ذكر الله. قال: وقال رسول الله r: "وأنا آمركم بخمس، الله أمرنى بهن: الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد فى سبيل الله، فإن من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى جاهلية فهو من جِثِىَّ جهنم قالوا: يا رسول الله، وإن صام وصلى؟ فقال: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم على ما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله" ورواه الترمذى وقال حديثه حسن صحيح.
2- فى الصحيحين عن ابن مسعود قال: "قلت يا رسول الله أى الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك"، وفى حديث معاذ: "أتدرى ما حق الله على عباده؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً"، وفى الحديث: "لا يقولنَّ أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان"، وعن ابن عباس قال: قال رجل للنبى r: "ما شاء الله وشئت قال: أجعلتنى لله نداً قل: ما شاء الله وحده" وأخرج ابن مردويه والنسائى وابن ماجه عن الطفيل بن سخبرة قال: رأيت فيما يرى النائم كأنى أتيت على نفر من اليهود فقلت: من أنتم؟ قالوا: نحن اليهود. فقلت إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون عزير ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. قال: ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: من أنتم؟ قالوا: نحن النصارى. قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله. قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبَحْتُ أخبرتُ بها من أخبرت ثم أتيتُ النبى r فأخبرته فقال: هل أخبرت بها أحداً؟ قلت: نعم فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: فإن طفيلاً رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم وإنكم قلتم كلمه كان يمنعنى كذا وكذا أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا: ما شاء الله 

السبت، 28 مارس 2020

7 / الأحاديث المتعلقة ببعـض صفات المنافقين من الآية ( 8 / 20 ) من سورة البقرة

ـ الأحاديث المتعلقة ببعـض صفات المنافقين من الآية (20/8): 
1- عن أبى سعيد t قال: قال رسول الله r: "القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح، فأما القلب الأجرد، فقلب المؤمن فسراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف، فقلب الكافر، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأى المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه" قال ابن كثير: رواه الإمام أحمد بإسناد جيد حسن.
2- فرق بعض العلماء بين النفاق الإعتقادى والنفاق العملى: والحقيقة أن النفاق حالة قلبية تنبثق عنها أخلاقيتها، كما أن الكفر حالة قلبية تنبثق عنها أخلاقياتها، وكذلك الإيمان حالة قلبية تنبثق عنها أخلاقيتها. فمن أخلاقية النفاق ماذكره لنا رسول الله r فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى عن أبى هريرة "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". وكذلك ما أخرجه البخارى وغيره عن عبد الله بن عمرو: أن النبى r قال: "أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: "إذا ائتمن خان. وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر"، فهذه أخلاقيات النفاق التى تدل على وجوده، ومن الحديث الأخير ندرك أن علينا أن نفرق بين النفاق الخالص والنفاق المخالط، وفى الأصل فإن علينا أن نفرق بين الزلة العارضة والخلق الدائم.
3- روى البخارى ومسلم رضى الله عنهما، عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله r: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد خلف، وإذا خاصم فجر"، غير أن فى حديث سفيان: وإن كانت فيه خصله منهن كانت فيه خصله من النفاق.
4- روى مسلم t عن جابر t أن رسول الله r قدم من سفر فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديده تكاد أن تدفن الراكب ، فقال رسول الله r: "بعثت هذه الريح لموت منافق فلما قدم المدينة، فإذا منافق منافق عظيم من المنافقين قد مات".                                          
5- روى مسلم عن العلاء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك فى داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد، فلما دخلنا عليه قال : أصليتم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر. قال: فصلوا العصر، فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله r يقول: " تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى اذا كانت بين قرنى الشيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً ".

6 / بعـض صفات المنافقين


بعـض صفات المنافقين
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِى الأرض قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إلى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِى ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِى آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(20)
ـ التفسير:
هؤلاء هم الصنف الثالث من الناس، وقد وصف الله حال الذين كفروا فى آيتين، وحال المنافقين فى ثلاثة عشر آية، وصفهم فيها بالخبث والمكر، وفضحهم، واستهزأ بهم، وتهكم بفعلهم، ودعاهم صماً بكماً عمياً، وضرب لهم الأمثال، فهم أشد خطراً على الإسلام من الكفار صراحة. ولا تقتصر أوصاف المنافقين على المعاصرين للنبى r فقط، بل فى كل عصر إذا وجدت صفاتهم.
وأول هذه الصفات النطق بالإيمان باللسان، وامتلاء القلب بالكفر والضلال. وكان عبد الله بن أبى بن سَلول زعيم المنافقين فى عصر النبوة أكثر أصحابه من اليهود، وكانوا يدعون الإيمان، فرد الله عليهم دعواهم، وأنهم فى الحقيقة ليسوا بمؤمنين، وإن تظاهروا به، ولا شك أنهم بهذا فى صورة المخادعين لله، والله يعلم عنهم ذلك فهم أشد ضرراً من الكفار، ولهم فى الآخرة عذاب أليم بسبب كذبهم فى دعواهم الإيمان بالله واليوم الآخر.
ونظراً لقصور عقولهم تصوروا أنهم يخدعون الله تعالى، وهو منزَّه عن ذلك، فإنه لا يخفى عليه شيء، وهذا دليل على أنهم لم يعرفوه، ولو عرفوه لعرفوا أنه لا يُخدع، وليس خداعهم إلا وبالاً عليهم، والله قادر على كشف أمرهم للمسليمن وهؤلاء المنافقون إذا قيل لهم إن مؤامراتكم الدنيئة ومخططاتكم الخبيثة بإثاراتكم الفتن، والتجسس لحساب الكفار، وتأليب العرب على المسلمين فساد، قالوا: ليس الأمر كما تزعمون، فإنما نحن مصلحون، لا نبغى إلا الإصلاح فرد الله عليهم بأنهم وحدهم هم المفسدون، ولكنهم لا يدركون خطورة عملهم، ولا يشعرون بهذا الإفساد، لأنه أصبح غريزة لهم، مركزه فى طباعهم
وكان المسلمون ينصحونهم بشتى الوسائل، ويدعونهم للإيمان، كإيمان الذين أصغوا للعقل السليم، وسلكوا سبيل الرشاد كعبد الله بن سلام وأشباهه، فإذا قالوا لهم: ادخلوا فى ساحة الإيمان كغيركم من الناس، أجابوا مترفعين: أنؤمن بالقرآن وبمحمد، كما آمن السفهاء: أتباع محمد، ويقولون: من آمن به غير ضعفاء الناس من العبيد والفقراء، وضعفاء العقل من الجهلاء؟
فرد الله عليهم بأنهم وحدهم هم السفهاء دون من نسبوهم إلى السفه، فليس عندهم إدراك صحيح للإيمان، ولا يعلمون حقيقته وأثره.
وهؤلاء المنافقون إذا خلوا مع بعضهم وزعمائهم تضامنوا معهم، وقالوا: إنا معكم، واذا رأوا المؤمنين أعلنوا إيمانهم، وقد فضح الله أوضاعهم، ولم يعبأ بهم، وسيجازيهم أشد الجزاء، ويزيدهم حيرة وضلالاً فى أمورهم.
ثم إنهم بإهمالهم العقل فى فهم كتاب الله وتركهم الطريق المستقيم، وإنكار أدلة صحة هذا الدين حسداً وبغياً، كأنهم أقدموا على صفقه خاسرة، ودفعوا الهدى ثمناً للضلال، وباعوا النور بالكفر وضلالات الأهواء، فما ربحوا فى هذه التجارة، لما ينتظرهم من عذاب جهنم.
ثم ضرب الله تعالى فى هذه الآيات مثلين لتوضيح حال المنافقين وبيان شناعة أعمالهم وسوء أفعالهم، تنكيلاً بهم، وفضحاً لأمورهم، إذ كانوا فتنة للبشر، ومرضاً فى الأمه. وضرب الأمثال هو منهج القرآن لتوضيح المعانى، وهذان المثلان يصوران حالة القلق والحيرة والإضطراب عند المنافقين وسرعة انكشاف أمرهم:
المثل الاول – لسرعة انكشاف أمرهم: وهو أن مثل المنافقين وحالهم فى إظهار الإسلام زمناً قليلاً وأمنهم على أنفسهم وأولادهم، كحال الذين أوقدوا ناراً، لينتفعوا بها، فلما أضاءت ما حولهم من الأمكنة والأشياء، وأبصروا زمناً يسيراً، أطفأها الله بنحو مطر شديد أو ريح عاصف، فصيرهم لا يبصرون شيئاً، وتركهم فى ظلمة الليل وظلمة السحب المتراكمة وظلمة إطفاء النار، لأن النور قد زال.
والمنافقون عطلوا مشاعرهم وإحساساتهم، إنهم عطلوا منفعة السمع، فلم يسمعوا عظة واعظ وإرشاد مرشد، بل لا يفقهون إن سمعوا، فكأنهم صم عن الحق لا يسمعون، وعطلوا منفعة الكلام والسؤال والمناقشة، فلم يطلبوا برهاناً على قضية، ولا بياناً عن مسألة، فكأنهم بكم لا يتكلمون، وعطلوا منفعة البصر، فلم ينظروا ولم يعتبروا بما حل بهم من الفتن وبما تعرضت له الأمم، فكأنهم عمى عن الهدى، وهم لا يعدلون أصلاً عن حالهم من الضلالة إلى الهدى، فلا تأس عليهم ولا تحزن.
والمثل الثانى – لحيرتهم وقلقهم وانتهازيتهم: وهو أن القرآن قد أتاهم بالإرشادات الإلهية، ولكنهم أعرضوا عنها، فحالهم تشبه حال قوم نزل عليهم المطر الغزير، المصحوب بالمخاوف من ظلمات المطر والسحب والليل، والرعد القاصف، والبرق الخاطف، وفى هذا الجو القاتم تلمسوا سبيل النجاة، وعقدوا الأمل على ما لاح فى الأفق من نور، فعزموا على إتباع الحق الذى جاءت به الآيات البينات، ثم ما لبثوا أن وقعوا فى الظلام، فأصابهم القلق والإضطراب، والله محيط بهم، قادر عليهم، فلو شاء لأذهب أسماعهم بقوة الرعد، وأبصارهم بوميض البرق الخاطف، ولكن لحكمة ومصلحة، لم يشأ ذلك، لإمهالهم وإعطائهم الفرصة ليثوبوا إلى رشدهم.
فقد يضئ النفاق لصاحبه الدرب حيناً قصيراً، ثم سرعان ما ينطفئ كما تنطفئ النار، مما يجعل النفاق لا دوام له ولا استمرار. وقد يجد الأمل فى نفاقه لتحقيق غرض أو مكسب مادى رخيص، ثم تتبدد الآمال، ويبقى المنافقون فى قلق واضطراب.

5 / بعـض صفات الكافرين


بعـض صفات الكافرين
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
ـ التفسير:
إن الذين كفروا وجحدوا بآيات الله وكذبوا بالقرآن، وبمحمد r يستوى عندهم الإنذار وعدمه، فلا تتأثر قلوبهم به، لأنها مغلقة لا يصل إليها النور الإلهى، ولا يشرق فيها إيمان، بسبب تعاميهم عن الحق وآيات الله، فلا ينفذ إليها أثر الهداية والموعظة، ولأنهم عطلوا وسائل المعرفة والنظر والتفكير وإعمال السمع والبصر، فأصبحوا يرون الحق فلا يتبعونه، ويسمعونه فلا يعونه، فكان جزاؤهم عذاباً عظيماً شديداً لا ينقطع، بسبب تكذيبهم بآيات الله تعالى. 
ـ بعض ما يتعلق بالآيات
1- يلاحظ أن كثيرين من الناس يكونون كافرين ثم يدخلون فى الإسلام بينما الآيات هنا تقر أن الكافرين يستوى عليهم الإنذار وعدمه فهم لا يؤمنون فكيف نجمع بين  الأمرين ؟ قال بعض المفسرين فى هذا: والمراد بالذين كفروا هنا أناس علم الله أنهم لا يؤمنون فهؤلاء يستوى عليهم الإنذار وعدمه، روى على بن أبى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ....) قال: كان     رسول الله r يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له السعادة فى الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاوة فى الذكر الأول" فالمقصود بالكفر هنا، الكفر الكامل وهو ما انعدمت فيه قضية الفطرة فى قلب الإنسان، وهذا الذى لم يعد ينفع معه إنذار ولكون هذا لا يعلمه إلا الله فإننا مكلفون بالإنذار لإقامة الحجة، أما الكافرون الذين لم يصلوا إلى مثل تلك الدرجة، فهؤلاء لا زال فى شأنهم أمل أن يهتدوا بإذن الله.
2- فى الحديث الصحيح عن حذيفة عن رسول الله r قال: "تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأى قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأى قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين قلب أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات و الأرض، والآخر أسود مِرباداً كالكوز مُجَخَّياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.
3- أخرج الترمذى وغيره عن رسول الله r قوله: "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً نكت فى قلبه نكتة سوداء، فإن تاب و نزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذى قال الله تعالى: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين 14)، قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح.
4ـ قال ابن جرير: أخبر رسول الله r أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر عنها مخلص، فذلك هو الختم والطبع الذى ذكر فى قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِم وَعَلَى سَمْعِهِمْ).

الجمعة، 27 مارس 2020

4 / بعـض صفات المؤمنين

بعـض صفات المؤمنين
الـم (1) ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (5)
ـ التفسير:
استفتح الله هذه السورة بالحروف المقطعة تنبيها لوصف القرآن وإشارة إلى إعجازه وتحدياً دائماً على الإتيان بأقصر سورة من مثله وإثباتاً قاطعاً إلى أنه كلام الله الذى لا يضارعه شيء من كلام البشر فكأن الله يقول للعرب الذين نزل القرآن بلغتهم : كيف تعجزون عن الإتيان بمثله مع أنه كلام عربى مركب من الحروف الهجائية التى ينطق بها كل عربى ومع ذلك عجزتم عن مجاراته ثم وصف الله تعالى القرآن بأوصاف ثلاثة.
الأول: أنه الكتاب الكامل فى كل ما اشتمل عليه من معان ومقاصد وقصص وعبر وتشريعات غير قابلة للنقض.
الثاني: أنه لا شك فى كونه حقا من عند الله ، لمن أمعن النظر وأصغى بقلبه.
الثالث: أنه مصدر هداية وإرشاد للمؤمنين المتقين الذين يتقون عذاب الله بإمتثال أوامره واجتناب نواهيه فهم المنتفعون به.
ثم أبان الله تعالى أربع صفات للمتقين الذين ينتفعون بالقرآن وهم الذين يؤمنون ويصدقون بالغيبيات التى أخبر عنها القرآن من البعث والحساب والصراط والجنة والنار وغيرها فلا يقفون عند مجرد الماديات والمحسوسات التى يدركها العقل إدراكا قريباً وإنما يدركون أيضاً وراء الماده من عوالم أخرى كالروح والجن والملائكة وعلى رأسها وجود الله ووحدانيته.
ثم يؤدون الصلاة على الوجه الأكمل بشروطها وأركانها وآدابها وخشوعها فالصلاة من دون خشوع وتأمل فى المقروء فيها ، وتدبر المعانى القرآنية ، وخشية الله ، كجسم بلا روح.
ثم ينفقون فى وجوه البر والإحسان من الأموال كالزكاة والصدقة وسائر النفقات الواجبة شرعا فيتحقق الرخاء لجميع الناس وتتطهر الأموال مما شابها من شبهات ويكتمل البناء المنشود شرعاً : بناء الفرد بالصلاة التى هى عماد الدين وبناء المجتمع بالزكاة وتوابعها التى هى أساس التقدم ورقى الحياة وسعادة الأمة.
ثم إن أولئك المتقين هم الذين يصدقون بجميع ما أنزل على النبى محمد e وعلى سائر الأنبياء والمرسلين ويصدقون أيضاً تصديقاً جازماً لا شك فيه بالآخرة وما تضمه من بعث الأجساد والأرواح معا من القبور وحساب وجزاء وميزان وصراط وجنة ونار.
وهؤلاء الموصوفون بكل هذه الصفات هم على نور وهداية من ربهم وعلى منزلة عالية عند الله وهم الفائزون بالدرجات العالية فى جنات الخلود. 
ـ بعض ما يتعلق بالآيات
 1- أخرج الترمذى وابن ماجة عن رسول الله e قال: " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس " ، قال الترمذى عنه: حديث حسن غريب ، وذكر ابن كثير أن عمر بن الخطاب t سأل أبى بن كعب t عن " التقوى " ، فقال له: أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال: بلى، قال فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت قال: فذلك التقوى ..." وفى سنن ابن ماجه عن أبى أمامة قال: قال رسول الله r: "ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيراً من زوجة صالحة إن نظر إليها سرته وإن أمرها أطاعته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها حفظته فى نفسها وماله"، دل الحديث على أن تقوى الله هى أعظم ما يعطاه عبد.
2- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول e : "أى الخلق أعجب اليكم إيماناً؟ " قالوا الملائكة  ، قال: " وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ " قالوا: فالنبيون، قال: " وما لهم لا يؤمنون والوحى ينزل عليهم؟ " قالوا: فنحن، قال: " وما لكم لا تؤمنون وانا بين أظهركم؟ " قال: فقال رسول الله e: " ألا إن أعجب الخلق إلىَّ إيماناً، لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفاً فيها كتاب يؤمنون بما فيها". قال ابن كثير: قال الحاكم: صحيح الإسناد دلت هذه النصوص على فضل إيمان من جاء بعد الصحابة من المسلمين ، ولا يعنى ذلك أن من جاء بعد الصحابة أفضل منهم ، بل من جاء بعدهم أعظم أجراً من هذه الحيثية لا مطلقاً.
3- أخرج ابن أبى حاتم بسنده عن عبد الله بن عمرو عن النبى e قيل له: يا رسول الله: إنا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ من القرآن فنكاد أن نيأس أو كما قال        قال: " أفلا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار؟  " قالوا بلى يا رسول الله : قال (الـم ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) إلى قوله تعالى (المُفْلِحُونَ) هؤلاء أهل الجنة قالوا إنا نرجو أن نكون هؤلاء. ثم قال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ.... وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) هؤلاء أهل النار. قالوا: لسنا هم يا رسول الله ... قال: " أجل ".
4- عن أبى هريرة t قال: قيل يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: "أتقاهم" فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فيوسف نبى الله ابن نبى الله ابن خليل الله" قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: "فعن معادن العرب تسألونى؟ خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا" متفق عليه.
5- عن أبى أمامة صُدَىّ بن عجلان الباهلى t قال: سمعت رسول الله r يخطب فى حجة الوداع فقال: "اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم تدخلوا جنة ربكم – رواه الترمذى.
6– روى مسلم عن أبى هريرة t أنه قال: قال رسول الله r: "دينار أنفقته فى سبيل الله ودينار أنفقته فى رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذى أنفقته          على أهلك ".

الخميس، 26 مارس 2020

3 / فضل سورة البقرة

فضل سورة البقرة
        1- أخرج الإمام أحمد والإمام مسلم عن أبى أمامة قال: سمعت رسول الله r يقول: "اقرءوا القرآن فإنه شافع لأهله يوم القيامة، اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أهلهما، ثم قال:اقرءوا البقرة فإن أخذها بركه وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة".
2- أخرج الإمام أحمد عن معقل بن يسار أن رسول الله r قال: "سورة البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آيه منها ثمانون ملكاً واستخرجت "الله لا إله إلا هو الحى القيوم" من تحت العرش فوصلت بها، و "يس " قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له، واقرءوها على موتاكم".
3- فى مسند أحمد وصحيح مسلم وفى الترمذى والنسائى عن أبى هريرة t أن رسول الله r قال: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، فإن البيت الذى يقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان".
4- أخرج الطبرانى وأبو حاتم وابن حبان فى صحيحه، وابن مردويه عن سهل بن سعد قال: قال     رسول الله r: "إن لكل شيء سناما، وإن سنام القرآن البقرة، وإن من قرأها فى بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال، ومن قرأها فى بيته نهاراً لا يدخله الشيطان ثلاثة أيام".
5- روى الإمام مسلم عن أبى أمامة الباهلى أن رسول الله r قال: "اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة".
6- أخرج النسائى وابن ماجه والترمذى عن أبى هريرة t قال: بعث رسول الله r بعثاً وهم ذوو عدد فاستقرأهم، فاستقرأ كل واحد منهم ما معه من القرآن، فأتى على رجل من أحدثهم سنا فقال: ما معك يا فلان فقال: معى كذا وكذا وسورة البقرة، فقال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: اذهب فأنت أميرهم، فقال رجل من أشرافهم والله ما منعنى أن أتعلم سورة البقرة إلا أنى خشيت أن لا أقوم بها، فقال رسول الله r: "تعلموا القرآن واقرءوه، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مسكاً يفوح ريحه فى كل مكان، ومثل من تعلمه فيرقد وهو فى جوف كمثل جراب أوكى على مسك".
7- أخرج البخارى عن أسيد بن حضير t قال: "بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة -وفرسه مربوط عنده- إذ جالت الفرس فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريب منها فأشفق أن تصيبه، فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبى r فقال: "اقرأ يا ابن حضير قال: قد أشفقت يا رسول الله على يحيى وكان منها قريباً فرفعت رأسى وانصرفت إليه فرفعت رأسى إلى السماء فإذا مثل الظلمة، فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها قال: "وتدرى ماذاك؟ قال: لا، قال: تلك الملائكة دنت بصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم".

2 / تفسير البسملة وسورة الفاتحة


البسملة
" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "
1- معنى البسملة : أبدأ بتسمية الله وذكره وتسبيحه قبل كل شيء ، مستعيناً به فى جميع أموري ، فإنه الرب المعبود بحق ، الذى وسعت رحمته كل شيء .
2- هناك خلاف فقهى كبير بين السادة العلماء على البسملة هل هى آية من ســـورة الفاتحة ، وغيرها من السور، أم لا ؟ نخلص منه على أنها آية من كل سورة كالفاتحة ما عدا سورة براءة ، والدليل على ذلك أن الصحابة كتبوها أوائل كل ســورة ، والصحابة كانوا لا يكتبون فى المصاحف ما ليس من القرآن ، ورأى الحنفية هنا ربما يكون أصح أن البسمله قرآن لكنها ليست بعض السور وإنما هى للفصل بين السور .
3- أخرج الإمام أحمد والنسائى وابن مردويه " عثر النبى r فقلت : ( القائل هو أسامة بن عمير رديف النبى  r) : تعس الشيطان فقال النبى r : " لا تقل تعس الشيطان ، فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم وقال : بقوتى  صرعته ، وإذا قلت باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب ".
4- البسملة تستحب فى أوائل كل عمل كما جاء فى الأثر"كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم" 




تفسير سورة الفاتحة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (2) الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)
ـ التفسير:
أرشدنا الله تعالى إلى أن نبدأ كل أعمالنا وأقوالنا بالبسملة فهى مطلوبة لذاتها ، محققة للإستعانة باسمه العظيم ، وعلمنا سبحانه كيف نحمده على إحسانه ونعمه ، فهو صاحب الثناء بحق ، فالحمد كله لله دون سواه ، لأنه مالك الملك ورب العوالم والموجودات كلها ، أوجدها ورباها وعنى بها ، وهو صاحب الرحمة الشاملة الدائمة ، ومالك يوم الجزاء والحساب ليقيم العدل المطلق بين العباد ، ويحقق للمحسن ثوابه ، وللمسيء عقابه ، فهذه الصفات تقتضينا أن نخص الله بالعبادة وطلب المعونة ، والخضوع التام له فلا نستعين إلا به ، ولا نتوكل إلا عليه ، ولا نعبد إلا إياه ، مخلصين له الدين؛ لأنه المستحق لكل تعظيم ، والمستقل بإيجاد النفع ودفع الضر.
وقد تعصف الأهواء بالنفوس ، وتزيغ بالعقول ، فلا عاصم من التردى فى الشهوات ومتاهات الانحراف إلا الله ، لذا أرشدنا الحق سبحانه إلى طلب الهداية والتوفيق منه ، حتى نسير على منهج الحق والعدل، ونلتزم طريق الاستقامة والنجاة ، وهو طريق الإسلام القديم المستمر الذى أنعم الله به على النبيين والصديقين والصالحين، وهذا شأن العبد العابد الناسك العاقل العارف حقيقة نفسه ومصيره فى المستقبل، لا شأن الكافر الجاحد الضال المنحرف ، الذى أعرض عن طريق الاستقامة عناداً ، أو ميلاً مع الأهواء ، أو جهلاً وضلالاً ، وما أكثر الضالين عن طريق الهداية البعيدين عن منهج الاستقامة الذين استحقوا الغضب والسخط الإلهى!
فاللهم أدم علينا البقاء فى طريق الهداية، وتقبل ثناءنا ودعاءنا واحفظنا من الغواية والضلال .


ـ بعض ما يتعلق بالآيات
1- أخرج البخارى وغيره عن أبى سعيد بن المعلى t قال : " كنت أصلى فدعانى رسول r فلم أجبه حتى صليت قال : فأتيته فقال r : " ما منعك أن  تأتينى ؟ " قال ، قلت : يا رسول الله إنى كنت أصلى      قال : " ألم يقل الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة فى القرآن قبل أن تخرج من المسجد " قال : فأخذ بيدى فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة فى القرآن قال : " نعم " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ " هى السبع المثانى والقرآن العظيم الذى   أوتيته ".
وفى حادثة مشابهة مع أبى بن كعب يقول أبى بن كعب: " فلما دنونا من الباب قلت : أى رسول الله ما السورة التى وعدتنى ؟ قال : ما تقرأ فى الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه أم القرآن قال : والذى نفسى بيده ما أنزل الله فى التوراة ولا فى الإنجيل ولا فى الزبور ولا فى الفرقان مثلها إنها السبع المثانى " . أخرجه الإمام أحمد .
2- أخرج الإمام مسلم والنسائى وهذا لفظه عن ابن عباس قال : " بينما رسول الله r وعنده جبريل ، إذ سمع نقيضاً فوقه ، فدفع جبريل بصره إلى السماء فقال : هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط ، قال فنزل منه ملك فأتى  النبى r فقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك ، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ، لم تقرأ حرفاً منهما إلا أعطيته  
3- أخرج الإمام مسلم والنسائى وغيرهما ، وهذه رواية النسائى عن أبى هريرة عن النبى r قال : "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج ( ثلاثا ً) ، غير  تمام ، فقيل لأبى هريرة : إنا نكون خلف الإمام فقال اقرأ بها فى نفسك فإنى سمعت رسول الله r يقول : قال الله عز وجل " قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ولعبدى ما سأل " فإذا قال : " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ " قال الله : حمدنى عبدى ، وإذا قال : " الرحمن الرحيم " قال الله : أثنى على عبدى، فإذا قال: " مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ " قال الله: مجدنى عبدى، فإذا قال: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " قال الله: هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل فإذا قال: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ" قال الله: هذا لعبدى ولعبدى ما سأل " .
4- تجمعت فى سورة الفاتحة مقاصد القرآن ومعانيه، فالقرآن الكريم دعوة إلى العقيدة أولاً، ثم إلى العبادة، ثم إلى مناهج الحياة، وقد تسلسلت المعانى فى هذه السورة على هذا الترتيب.
- فالعقيدة دلت عليها بداية السورة: " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (2) الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ".
- ثم العبادة فى قوله تعالى: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ".
- وأخيراً مناهج الحياة فى قوله تعالى: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)".
5- من المعانى الكبرى فى الإسلام: موضوع لزوم الجماعة "أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، و "من فارق الجماعه قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.." والسورة دلتنا من خلال الخطاب الجماعى " إِيَّاكَ نَعْبُد"، " اهْدِنَا " على أن الأصل فى المسلم أن يكون جزءاً من كل هو جماعة المسلمين وأن الأصل فى التربية الإسلامية أن تقوم على التربية الجماعية.
6- أفضل الدعاء " الْحَمْدُ لِلَّهِ"، لأنها رأس الشكر والله عز وجل يقول: " لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ"، لذا ورد فى سنن ابن ماجه عن ابن عمر t: أن رسول الله r حدثهم: "أن عبداً من عباد الله قال يا رب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك فلم يدريا الملكان كيف يكتبانها فصعدا إلى الله تعالى فقالا: ياربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندرى كيف نكتبها قال الله: - وهو أعلم بما قال عبده – ماذا قال عبدى؟ قالا: يارب إنه قال لك الحمد يا رب كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فقال الله لهما : اكتباها كما قال عبدى حتى يلقانى فأجزيه بها".
7- فى الصحيحين عن أبى هريرة عن رسول الله r قال: "يقبض الله الأرض بيمينه "ثم يقول: "أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟" فالله عز وجل مالك يوم الدين وهو رب العالمين وكل منازعة لله عز وجل فى ربوبيته أو مالكيته العليا لاتصح ولو فى التسمية، ففى الصحيحين عن أبى هريرة عن رسول الله r قال: "أبغض إسم عند الله رجل يسمى بملك الأملاك، ولا مالك إلا الله".
8- أكمل أحوال الداعى أن يبدأ بالحمد ثم يسأل حاجتة وحاجة إخوانه المؤمنين ومن ثم جاء قوله تعالى: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ " بعد الثناء، فالسؤال أو الدعاء بعد الثناء أنجح للحاجة وأنجح للإجابة.














9 / التحدى الالهى للجاحدين واعجازهم

التحدى الالهى للجاحدين واعجازهم وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُو...